الأحد، 1 يناير 2012

افتراض المكان في اعمال الفنان بلاسم محمد


لم يأت الفنان بلاسم محمد الى الرسم الا عبر منظومة من العمل الجاد والمستمر والتي قضاها كفنان ودارس للفن وباحث في التشكيل فهو امتلك بذلك القدرة على قراءة العمل الفني واستقراء التجربة الفنية ودراستها بشكل علمي، وهذا هو الذي دفع بأتجاه اعلان تواجده كرسام بعد قطيعة طويلة قضاها في التصميم الكرافيكي

وعرف فيها واحد من المع المشتغلين في هذا المجال، والاعمال التي عرضها مؤخرا ازالت الحاجز الذي وضعه الفنان بينه وبين المتلقي المتعود على مشاهدة الاعمال الفنية معلقة على جدران القاعات وبمواصفات تعود على متابعتها، فشكلت اعماله حضورا لافتا ومفاجئا له.
اعمال الفنان هذه استعير لها تسمية الاعمال التمهيدية وتكون دواعي هذه الاستعارة واستخدامها هنا هي:
1- انها سحبت الفنان من منطقة تعبيرية اعتبرها لفترة طويلة اداة رئيسية في الاحتجاج ومواجهة التخريب المتعمد للذائقة وبعد ان اصبحت هذه الاداة شبه معطلة ازاء مستجدات الواقع الراهن الذي فرض استحقاقاه القسرية والسريعة والمباغتة التي اربكت كل الحسابات المألوفة الامر الذي تطلب الالتجاء الى وسائل تعبيرية ذات جدوي كممارسة انسانية فاعلة ولم تكن عند الفنان سوى العودة لخياره الاول وهو الرسم اداته القادر على قول مايريده من خلالها، علما بأن بلاسم كان يترك تخطيطاته في اماكن تواجده دون ان يلتفت لها.
2- قدمت مجموعة العرض، بلاسم جسام كرسام واثق ومستقرئ لمحيطه الفني وواع للتجربة الفنية التشكيلية ومساراتها مبتعدا عن السائد من الكم الهائل الذي تغص به صالات العرض والذي يستعصي على المرء فرزه في احيان كثيرة خصوصا وان البيئة التي عرض فيها الفنان تتحكم فيها قوى السوق الفنية التي تمتلك القوة في فرض خيارات التلقي وتوجيه طاقات العرض اليها.
ماعرضه الفنان من اعمال أشرت الى معرفته الكافية بمسارات العرض تلك ورغبته في نفس الوقت في السير بأتجاه العروض الحرة التي تحاول تقديم نفسها لمتلقي يبحث عنها، و محاولة لتحييد الدفع بألاتجاه الاخرويكون بذلك قد ابتعد بشكل كامل عن متطلباته وشروطه واستطاع ان يملي شروط عمله الفني فجذب اليه المتلقي واثار الوسط الثقافي.
عمل الفنان على الاختزال الشديد في مفرداته المتوزعة على المساحات التي اشتغل عليها وتراوحت في الاستخدام الشفاف لللون واطلاق طاقة الخط ليلعب بحرية غير محدودة في تشكيل كتله،وهو هنا لم ينسى استخدام ريشته الكرافيكية رغم الفترة الطويلة التي قضاها مبتعدا عن قماشة الرسم بل اتى بها هنا محملة بكل الطاقة التعبيرية التي يمكن ان تمنحها لاشكاله وتكويناته الكلية مما يدعو الى الاعتقاد ولو للوهلة الاولى بان الرسام تعمد ان تكون هي الهدف وهي الموضوعة الرئيسية في العمل وهي التي تمنحه تأثيره، وتبدو محاولة الفنان في استثمار طاقة الخط على التعبير وتوزعه الحر على مساحة العمل وتشكيله للكتل الموجودة هو كل ماسعى اليه في الوقت الذي لم يعد للمتلقي رغبة في تقويل عناصر اللوحة الاخرى ولا مبررا لتقويلها، ولكن المتأمل لاعمال بلاسم يجدها تفيض بأستذكار شفاف لاماكن يستعيد الفنان تشكيلها ويترك للخط حرية تحديدها، اماكن تعيش في حلم يتنام بأستمرار ويحرص على نسخه كل يوم ويعيد تركيبه ليعطيه بناء متجددا في محاولة دؤوبة للقبض عليه بشكل دائم حتى في حالات يقظته ويشكل منه مادته للسرد ويتبادل فيها الادوار مرة كخالق ومرة كمتلقي وليشكل بذلك معادل موضوعي للواقع المفترض، فأن تتلبس حلما بمكان يستحوذ على مفردات اليوم يستدعي اداة مناسبه لتمثيله وتتساوى في الاهمية التي تتطلبها بيئة العرض ومناخاته ومقدار تحديها، والاداة التي حرص الفنان على استدعائها هي استخدامه الحر للخط الذي اعطى تمثيلا كافيا تكون فيه استمرارية وتواصل امدته بقيمه فعلية ومقدرة على استعادة الحلم وتمثيله.
اعتمد الفنان في اعماله على استعارة تركيبية تعتمد الكشف عن علاقات الحضور والغياب، مثلها في تشغيل الثنائيات المتمثلة في تضادات قيمية عمادها العتمة والضوء والكتلة والفراغ والداخل والخارج وفي استخدامه لتضادات القيم اللونية المختلفة والتي حرص على انتقاءها واختزلها بشدة حيث كان قاموسه اللوني مركزا على مفردات لونية معينه خدمت الى حد كبير هدف الفنان الرئيس اذ كانت تتحرك بأتجاه العمل على استعادة توقه الى تشكيل المكان المفتقد، البيت، المدينة، الوطن، والتي تشكل حفرا في ذاكرة الفنان والمتلقي على حد سواء.
يحضر الحدث بشكل لافت بتأثير عمل الثنائيات والتي احدثها كأثر اجرائي متمثلة في حركة الكتل التي تحدثها الحرية اللامحدودة لحركة الخط ويستحيل المشهد الكلي الى افتراض وجودي ومكنته من طرح اسئلته بحرية دون انتظار للاجابة.
ان الفنان باستحضاره للحدث يثير في المتلقي احساسا بحضور مكاني يتشكله قاموس عرفي يضع للمفردات مسمياتها رغم بقاء الحضور افتراضي في ظل غياب حقيقي للمكان.
يتحرك اللون في اعمال الفنان تبعا لحركة الخط في ذات الوقت الذي يمنحه الحرية في التشكل والانتشار ويستفيد الفنان من هذه التقنية في احداث التضادات المطلوبة ايضا وفي تركيز الاحساس بالكتل وانسجامها على سطح العمل الفني وتحييد وجودها، ولعل الاعمال الجديدة للفنان بلاسم جسام تحمل معها الحضور الواثق لفنان وناقد طالما اثار جدل الاختلاف.

المصدر

http://balasim.net/index.php?option=com_content&view=article&id=47:press-article-1&catid=34:press&Itemid=60

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق