عندما عمد الفنان الألماني ماكس أرنست، في بعض أعمالةالاولى الى تغيير الطبيعة الخلقية، بقصيدتة الفنان المبتكر وهو يعيد البنية التشكيلية للمخلوق النباتي، فأنة أراد بذالك أن يكون أمينا للاتجاه السوريالي الجديد، الذي تتجلى فيه افرازات اللا شعور، بإرهاصاتها النفسية، والذي من خلاله يكتسب العمل الفني الغرائبية في تأسيس عناصر التشكيل الفني للرسم. وطبع ما ينبجس من وحدات بصرية من العقل الباطن على قماشة اللوحة، اعتمادا على عنصري التلقائية والحلم في الإنشاء والتكوين. أما الفنان مؤيد محسن فقد أختار ببصريتة النافذة جانبا من هذا الاتجاة مستبصرا لا عقلانية ليوظف قيمة الاستفزاز والغرائبية والتلاعب بالمظهر الفيزيائي للمخلوقات فيعيد صياغتها ويزرعها عنصرا فاعلا من عناصر اللوحة التي يجتهد كثيرا بالتحكم بتشكيل مكونات بنائها بما يخدم رؤية الفنان وقصيدته ويلبس تكوينها الفيزيائي رداءا من النسيج الحجري الذي يحكي موضوعه جريان التيار الزمني أزاء ديمومة الانتظار المشبع بالسكون والشهادة على زمن مضى نضبت فيه الحياة وزمن جديد ولد بولادة اللوحة ودبت فيه حياة العمل الفني ذلك العمل الذي توثقت فيه الرؤية التسجيلية وكان الفنان يقوم بذلك المعادل التشكيلي المضاد لقيمة الانصهار، التي اعتمدتها في الكثير من أعماله في المرحلة السابقة، عندما صنع رموزة من مادة شمعيه لا تقوى على مقاومة القهر الضاغط عبر تيار الزمن في الانتظارالقسري الذي آل إلى حالة من اللاجدوى . وهو بذلك يؤكد اهتمامه بالاشتغال على هامش فعل حركة الزمن، وتداعياته على الذات البشرية وهي ترصد الحدث. وإذ يلجا الفنان مؤيد محسن إلى صيغة الإعادة في الإنشاء التشكيلي للوحة، فانه يخضع أدواته إلى متطلبات بناء اللوحة وتكوينها المعماري، ويوظف ما يمتلكه من حس درامي وعين سينمائية ليظهر العمل بصورته النهائية وقد جمع فيه العناصر التي تؤهله للتميز كعمل خرج من إطار العمل التقليدي، ليقف عند أعتاب التجريب و الاكتشاف، ويقرب من تخوم دائرة الإبداع التي لا تمنح سمة الدخول إلا لمن قفز على التقليد والمحاكاة وأختط له أثرا جديدا يعي شروط العملية الإبداعية الخلاقة. وقد ظل الفنان مؤيد محسن أمينا لهاجس رؤاه المستقرة في خزين ذاكرته من مشاهد وتجارب، خبر ممارساتها، ووعى إرهاصاتها بمرارة وألم وهو يرصد في تزامن واحد غربة الإنسان العراقي في وطنه.. الوطن الذي كان يجلد كل يوم بحبال الحروب والقمع والحرمان. من كل ذلك تبلورت الموضوعة التشخيصية للفنان، ليصبح الإنسان محور أعماله وهاجسه المميز. فترى هذا الإنسان مرة يتبوأ موقع الصدارة في اللوحة، وأخرى نراه ونحس بوجوده من خلال أشياءه التي خلفها بعد الرحيل على الرغم من غياب رمزيته المادية (التشخيصية) في اللوحة. ونجده أحيانا متجليا بسمة الذوبان والانصهار الشمعي. ومن يتفحص أعمال مؤيد محسن وهي تعانق الأفق السماوي تتحد رؤيته مع رؤية الفنان لاستعادة التجربة والاستغراق في أفاق التأمل، حيث تنشط مكونات العقل والعاطفة لتتحول الصورة المرئية في المخيلة بسكناتها واحتداماتها إلى حالة من الحركة الديناميكية، فتنتقل دلالة اللوحة من عصرها الغابر الى الزمن المعاصر عبر رمزيتها المعبرة، لتؤثر على موضوعة إعادة التاريخ لنفسه بصورة ومكونات أخرى، فيكون بذلك لبى رغبته الدفينة في التعبير الأخلاقي، وكشف للمتلقي الدورات المتكررة للجوانب المروعة من السقطات الأخلاقية للانسان. وكأنه بهذا قد اقترب من ملامح الواقعية السحرية، بعد أن شذب اشتراطاتها ولامس أبعادها. وعموما ما يزال محسن ملازما لمفردات الطبية، مأخوذا بسحر أجوائها وفضاءاتها، أمينا على اعتمادها الى جانب الرموز التاريخية والأثرية كخلفيات فاعلة في الجدل التشكيلي الذي تستحثه وتفجره معظم أعماله الفنية التي اصطبغت بمزيج من شتى الأساليب والاتجاهات فهو يتقيد بصرامة شروط وقوالب الواقعية الفوتوغرافية تسعفه مهارته العالية في تحضير وتنفيذ اللوحة وامتلاكه أسرار الصنعة أللونية وهذا فنه في الرسم الأكاديمي كما انه يلازم ويوظف ألرمزيه من خلال السمة السوريالية التي تتسم أعمالة الأخيرة، لتكشف إسقاطات القلق الداخلي المحتدم في ألذات الجريحة. هذا القلق الذي أرق الفنان سنينا طويلة وفجر خطوطا وألوانا الفت المشهد الفني العام للوحة، تلك التي تثير جدلية الحوار مع المتلقي، وهو يحاول أن يسبر أغوار عوالمها التشكيلية في تعاطيها الأشكال والرموز من خلال قصيدة الوعي وعفوية الاوعي. وكما يرسخ الفنان مؤيد محسن هويته الفنية ويجتاز تخوم دائرة الإبداع الأكثر إشراقا. وحتى لا يبقى أسير أسلوبيته التي طبعت أعماله في العشرين سنة الأخيرة، ندعوه إلى الخوض في مجال التجريب و الاكتشاف لثراء مسيرته ألفنيه وليوضح معالم بصماته على خارطة الفن التشكيلي العراقي.
عمارالشلاه، مجلة دجلة، ثقافية اسبوعيةعامة، تصدر عن وزارة الثقافة العراقية–بغداد، العدد 15، تموز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق